تغطية مباشرة

براڤو نبيل !

الرأي
الإثنين ٠٧ يونيو ٢٠٢١
18:56
استمع المقال
براڤو نبيل !
بلال مرميد
استمع المقال

لا يهمني أن يكون عيوش المغربي الأول الذي يقتحم أجواء مسابقة مهرجان "كان" لأني لست من هواة التصنيفات، لكن يهمني أن لا يكون عيوش آخر مغربي يعثر على مكان بين الكبار.

بصدق لا أخبر لم نجتهد في تقزيم إنجازات بني جلدتنا، و لا أدري لم نصير أكثر حرصا على انتقاء المفردات للتقليل من بعضنا البعض، و لا أعرف السبب الذي يجعل البعض منا يصر على الخلط بين النقد و بين تقزيم كل ما هو إيجابي.

خليط من تساؤلات، و مزيج من أحاسيس انتابتني بعد أن عاينت رجع الصدى الذي أعقب إعلان تييري فريمو المدير الفني لمهرجان كان العالمي عن دخول المغربي نبيل عيوش، بفيلم مغربي عنوانه "علي صوتك" للمسابقة الرسمية لأكبر موعد عالمي. اتصلت بنبيل عيوش لأقدم له التهنئة كواحد من سينمائيي بلدي، و هذه العادة هي التي يجب أن نرسخها بعيدا عن الحسابات الضيقة التي لم و لن تفيدنا في شيء.
موقفي من سينما نبيل عيوش معروف، و موقفي من الوضع الذي تعيشه سينمانا أيضا معروف.

سبنما نبيل عيوش فيها ما يروقني، و فيها أيضا كثير مما لا يحرك في دواخلي تلك الرغبة الجميلة في المشاهدة أحيانا. فيها "يا خيل الله" الذي حفزني على التصفيق له، و فيها "لولا" التي لا أخبر لحد الآن ما تريده. فيها "الزين اللي فيك" الذي تلقيت وابلا من شتائم لأني كنت قد دافعت عن حرية المخرج في تناول الموضوع الذي يختاره لأن السينما و المنع لا يلتقيان، و فيها "غزية" الذي لم أعره كبير اهتمام لأنه ضم في نظري شذرات أفكار متناثرة.

سينما نبيل عيوش كلها تناقضات، و التناقضات أحيانا هي التي تمنحنا تلك المفاجآت الجميلة، و هي التي تؤسس لكل تجربة متينة. حتى أكون صريحا مرة أخرى، فطريقة اختيار نبيل عيوش لزوايا معالجته، و كيفية تسويقه لأفلامه و الترويج لها، لا يمكن إلا أن أدعمها إعلاميا.

هذا السينمائي المغربي الذي يصور أفلامه بين ذويه، له أدواته التي يعرف الاشتغال بها، و لسنوات طويلة اشتغل على كيفية ربط العلاقات المناسبة مع الأشخاص المناسبين، لأن الغلطة التي يرتكبها كثيرون و يعيدون ارتكابها عن غير قصد، هي الاعتقاد بأن نجاح الفيلم يتوقف على الكتابة ثم التصوير و المونتاج و العرض.

هذه المحطات لم يعد لنا الحق أن نناقشها أصلا، لأن السينمائي الذي يبحث عن العالمية يجب أن يتوفر لأعماله الحد الأدنى من مقومات جمالية، قبل البحث عن شبكة علاقات قوية. المخرج الفاشل لن يتوفق في إقناع الخلق، و لو منحته كل التسهيلات و الإمكانيات و معها كل المواضيع التي نعتقد واهمين بأنها تروق الغرب. في عالمنا العربي، هناك عشرات المخرجين الذين يقصفون بلدانهم في أفلامهم، و مع ذلك لا يستقبلها أحد لأنها ببساطة أعمال قبيحة.

أمقت اختصار المسافات، و رغبة البعض في التطلع للنهاية قبل الاطلاع على البداية. لا يهمني أن أعرف إن كان عيوش أول مخرج مغربي يدخل مسابقة كان، لكن ما يهمني هو أن ضيوف المهرجان الأول عالميا سيتابعون شريطا مغربيا، صور في المغرب و دعم بمال المغرب و أخرجه مغربي.

نبيل عيوش يجتهد حين يشتغل في أفلامه، و يتوفق لأنه تعلم من زمان كيفية التركيز منذ البدء على أفضل سبل الترويج و البيع على الصعيد العالمي، لكي تمنح جرعة قوة للعمل السينمائي و يشاهد على أوسع نطاق.
نبيل عيوش في المسابقة الرسمية لمهرجان كان العالمي، و شخصيا أنتشي حين يحقق مغربي أو مغربية إنجازا على الصعيد العالمي في مجال من المجالات، و أخبر جيدا بأن أسياد السينما في العالم سيتابعون منافسة عيوش لأساتذة السينما من أمثال ناني موريتي و ويز آندرسون و علي أصغر فرهادي و جوستين كورزل و جاك أوديار و غيرهم على السعفة الذهبية.

قد نناقش بعضنا البعض بخصوص طريقة تناوله، و قد نختلف كثيرا في مرحلة تقييم كل واحد منا لشريط من أشرطته، لكننا لا نستطيع أن ننكر اجتهاد الرجل مهما حاولت أقلامنا.
أتذكر قبل عشر سنوات هناك في "كان" كيف دافع المخرج رادو ميخايليانو عن مغربية شريطه "سوق النسا" و إن لم يكن عملا مغربيا، و أعرف بأن أفلاما أخرى لمخرجين أجانب مثل أورسون ويلز و جاك هنري أراد لها أصحابها أن تمثل المغرب، و بلغني أيضا بأن وثائقيا مغربيا للراحل عبد العزيز الرمضاني تنافس في "كان" و إن لم نشاهده يوما.

الأمر الآن يختلف، ولدي الحق أن أعلي صوتي، لأن "علي صوتك" شريط يحمل اسم المغرب في أكبر محفل سينمائي عالمي. يحق لي أن أنقل لكل شباب البلد ممن يرغبون في منح حياتهم و إمكاناتهم و جهدهم للسينما تفاصيل إنجاز عيوش، و يحق لي أن أساهم في جعلهم يحلمون لأن السينما حلم. أكثر الأخبار التي صاروا يتلقفونها عن سينما بلدهم مؤخرا، عملتها تغييب للنقاش، و الشكوى من قصر ذات اليد، و حديث عن مال السينما أكثر من السينما. كثيرون قدموا لعقود أطباقا من القبح المدعم، و مع ذلك لا يصمتون..
لا أخبر حقا لم نجتهد في تقزيم إنجازات بني جلدتنا، و لا أدري لم نصير أكثر حرصا على انتقاء المفردات للتقليل من بعضنا البعض، و لا أعرف السبب الذي يجعل البعض منا يصر على الخلط بين النقد، و بين تقزيم إنجازات الآخرين. حقا لا أعرف ولا أخفيكم سرا بأني لا أريد أن أعرف، لأن الجواب لن يكون إلا تافها. المهم في القصة من ألفها إلى يائها، هو أن شريطا مغربيا ستسلط عليه الأضواء في أكبر مهرجان عالمي، و بعد العرض مرحبا بالنقاش لأن حلم كل مخرج هو أن يخلق شريطه نقاش. المغرب في "كان" بسينماه، و سيتنافس على السعفة الذهبية.

ما الذي علي أن أضيفه بعد كل هذا الكلام؟ هذا الحضور المغربي سيخلق مزيدا من حساد، لأن من لا يحقق شيئا ليس له ما يحسد عليه. وقانا الله و إياكم من التباغض، و من شر الحاسدين و حقد الحاقدين.

كل الملاحظات التي تخصنا سينمانا و طريقة تسييرها، نتركها لوقت لاحق. الآن، أرقب فقط العرض العالمي الأول ل"علي صوتك" في مهرجان كان. برافو نبيل عيوش، و عاشت السينما المغربية بأبنائها المجتهدين، و عاش المغرب و السلام.