صناديق التقاعد المغربية في مواجهة شبح الإفلاس

أخبار
الأربعاء ١٩ يناير ٢٠٢٢
16:10
استمع المقال
صناديق التقاعد المغربية في مواجهة شبح الإفلاس
صفاء النوينو
استمع المقال

 تواجه أنظمة التقاعد الأساسية في المغرب هشاشة تهدد توازناتها المالية مستقبلا، وهو ما تؤكده التقارير الخاصة برصيد الأنظمة واحتياطاتها، إلى جانب التوقعات التي تنذر بتطور نسبة وعدد الأشخاص المسنين في المغرب، ما يدق ناقوس الخطر من أجل إصلاح قريب يضمن احتياطات كافية لصناديق التقاعد، ومستقبل فئة كبيرة من السكان 

الأزمة في أرقام

أزمة عالمية تعانيها صناديق التقاعد في بلدان عديدة، بسبب الأنظمة التي لا تضمن توازن ماليتها، إلى جانب المنحنى المرتفع للشيخوخة في كثير من الدول. في المغرب، كشف تقرير صادر عن هيئة الرقابة على التأمين والاحتياط الاجتماعي بداية يناير الجاري، تراجع الوضعية المالية للأنظمة الأساسية سنة 2020 إذ سجلت عجزا تقنيا بلغ 10.8 مليار درهم مقابل 7.1 مليار درهم خلال سنة قبل ذلك..

وبلغ عدد المساهمين النشيطين خلال سنة 2020، حسب التقرير نفسه، حوالي 4,5 مليون شخص، أي ما يمثل انخفاضا بنسبة 4,1 في المائة، مقارنة مع سنة 2019. 

وأفاد التقرير السنوي للهيئة، وهي مؤسسة تعنى بمراقبة وتنظيم قطاعي التأمين والاحتياط، أن عدد المنخرطين في أنظمة التقاعد الأساسي بلغ نهاية 2020 حوالي 275 ألف مُشغل، 98.1 منهم في المائة من القطاع الخاص، مقابل 256.620 سنة 2019.

 وناهز المعامل الديمغرافي المتوسط لأنظمة التقاعد في المغرب 4.9 مشتركين نشيطين، مقابل متقاعد واحد سنة 2020، بعدما كان في حدود 5.4 سنة 2019. وبلغ هذا المعامل إلى 7.5 بالنسبة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، و2 بالنسبة للصندوق المغربي للتقاعد، و2.2 بالنسبة للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد.

 

نحو مجتمع أكثر شيخوخة؟

تزداد المخاوف من شح أنظمة التقاعد في ظل الأرقام التي تشير إلى اتجاه المجتمع المغربي نحو الشيخوخة. وأكد تقرير للمندوبية السامية للتخطيط، صدر بمناسبة اليوم العالمي للمسنين في أكتوبر الماضي، أن عدد المغاربة البالغين 60 سنة فأكثر وصل سنة 2021 ما يقارب 4,3 ملايين نسمة، أي ما يمثل 11,7 بالمائة من مجموع السكان، مقابل 2,4 مليون نسمة سنة 2004، أي ما يمثل 8 بالمائة من مجموع السكان. 

وتوقع التقرير ارتفاع عدد الأشخاص المسنين ليتجاوز بقليل 6 ملايين نسمة في أفق سنة 2030، أي ما يمثل زيادة بنسبة 42 بالمائة مقارنة بسنة 2021، وسوف تشكل حينها هذه الفئة 15,4 بالمائة من مجموع سكان المغرب.

وينذر تطور عدد الأشخاص المسنين بصعوبات ستواجه صناديق التقاعد والنظام الصحي، مع ما يعنيه هذا التحول الديمغرافي من انتشار أمراض الشيخوخة والعجز الوظيفي، الذي يصيب حاليا حوالي 45 في المائة من مجموع المسنين في المغرب.

 

إصلاح أنظمة التقاعد…ورش مفتوح

بدأ الحديث عن أزمة تعانيها صناديق التقاعد في المغرب منذ أزيد من 15 عاما. منذئذ، تعاقبت الإنذارات التي تحذر من إفراغ هذه الصناديق ومعها المقترحات لرؤية إصلاحية. 

وعبرت الحكومة الجديدة التي يترأسها عزيز أخنوش، عن عزمها مواصلة مسلسل الإصلاح الهيكلي لمنظومة التقاعد، الذي بدأ مع حكومة عبد الإله بنكيران، عبر مراحل.

وبعدما تم التنزيل التدريجي للإصلاح المقياسي المستعجل لنظام المعاشات المدنية ما مكن من تأخير تاريخ نفاذ الاحتياطات، تهم المرحلة المقبلة من الإصلاح إلى إنشاء منظومة قطبين، عمومي وخاص، في أفق التقارب نحو نظام أساسي موحد.

 

وكانت الحكومة السابقة قد أقرت إصلاحا يقتضي رفع سن الإحالة على التقاعد في نظام المعاشات المدنية الخاص بالموظفين العموميين، وهو الأمر الذي  لم يكن له أثر إيجابي كبير على الوضعية المالية للصندوق المغربي للتقاعد.

وعرفت سنة 2021 إطلاق الورش الملكي لتعميم الحماية الاجتماعية، الذي ينص أيضا على توسيع خارطة المنخرطين في أنظمة التقاعد ل5 ملايين مغربي في أفق 2025، من خلال تنزيل نظام المعاشات للمهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا.

وجدد المجلس الإداري للصندوق المغربي للتقاعد، توصيته بالإصلاح، من خلال دعوته، الأسبوع الماضي،  السلطات العمومية إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لتجاوز الوضعية المالية لنظام المعاشات المدنية، مسجلا أهمية الانتقال إلى مراقبة المواكبة، وإبرام عقد برنامج جديد مع الدولة للفترة الممتدة من 2022 إلى سنة 2024.

من جانبها، دعت وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح العلوي خلال ترؤسها اجتماع المجلس الإداري للصندوق، إلى مباشرة المرحلة الثانية لإصلاح منظومة التقاعد بالمغرب، منوهة ب”الحصيلة الإيجابية لتنفيذ عقد البرنامج المبرم بين الدولة والصندوق المغربي للتقاعد 2018-2020″.

 

بعد تأجيل ساهمت في إطالته جائحة كورونا، أضحى الإسراع في ورش إصلاح منظومة التقاعد ضرورة ملحة واستعجالية، في ظل الوضعية الحالية التي تعانيها صناديق التقاعد، والتي تنذر بأزمة حقيقية ستطال آثارها المنظومتين الاقتصادية والمجتمعية.