تغطية مباشرة

من "كان" : ركن بلال مرميد .. سياسة في مهرجان "كان" .. ما الجديد في الأمر؟

ثقافة
الأربعاء ١٨ مايو ٢٠٢٢
18:58
استمع المقال
من "كان" : ركن بلال مرميد .. سياسة في مهرجان "كان" .. ما الجديد في الأمر؟
بلال مرميد - من "كان"
استمع المقال

يا إلهي،
كثير من سينمائيين وكثير من مهتمين بالسينما في العالم، هم الآن تحت وقع الصدمة، لأن مهرجان كان تحضر فيه السياسة، وتعطى فيه الكلمة لرئيس أوكراني. كانوا، والله أعلم، يعتقدون بأن المهرجان مخصص فقط للسينما، وبأن بقية المواعيد الأخرى الكبرى في العالم تُمنح فيها الكلمة فقط لمخرجين وممثلين ومنتجين، ينتمون لبلدان تتوفر على منتجين حقيقيين. سياسة في مهرجان كان، وفي بقية المهرجانات الأخرى. ما الجديد؟ أين الخبر؟ أين المفر؟
عزيزي المتتبع، اقترب قليلا، ودعنا نناقش بعضنا البعض بهدوء..
هل تعرف أيها الكائن الطيب في أي ظرف خلق مهرجان كان؟ خلق في ظرف سياسي، أو بالأحرى خلقته ظرفية سياسية. هل لمسيريه السابقين والحاليين واللاحقين خلفيات سياسية؟ بدون ارتياب لهم خلفيات سياسية، ونفس الكلام ينطبق على مهرجانات برلين والبندقية وبقية المواعيد العالمية الكبرى. لا أتحدث هنا عن المهرجانات المتخلفة التي تخدم جيوب أصحابها، وتُستغل بطريقة بليدة في الحملات الانتخابية، أو تلك التي تمنح لأناس تافهين جوائز تافهة تشبههم، ويكذب الجميع على الجميع وينصرفون معتقدين بأن البقية لم ينتبهوا لسجل كذبهم الحافل. هؤلاء، ومن يأكلون ويشربون عندهم ومعهم، لا أتوفر على وقت أخصصه لهم حاليا. أتحدث هنا عن مهرجانات الدرجة الأولى التي تلعب في دوري الأضواء، وتجلب بالسياسة وبالمال أكبر الإنتاجات العالمية منذ أن رأت النور. هي لعبة كبيرة، رفضها كبار كثر، وانتهى بأغلبهم المطاف لدخولها. جون ليك غودار كان في مقدمة المنددين في فترة ما، وفي آخر المطاف انتهى به الأمر في المسابقة الرسمية، وتقاسم جائزة لجنة التحكيم مع غزاڤيي دولان الذي يصغر حفيده سنا، إن كان له حفيد.
المهرجانات الكبرى لم تكن يوما بريئة لتصير الآن بريئة، والمنظمون هنا أو في برلين والبندقية وتورونتو وغيرها، مهرجانات تعتمد على فاعلين سياسيين كبار، ولها من يحركها بكل ثقة وثبات. هذه المواعيد، تجلب أفضل الإنتاجات العالمية، وفي الخلفية مررت وتمرر رسائلها، وهو أمر معروف من زمان.
يبقى السؤال المطروح: لماذا لم تبن البلدان النامية مهرجانات كبيرة لتحرر العالم من جبروت هؤلاء الكبار؟ لأن الكبار يملكون مفاتيح اللعب، وبالتالي حتى حين تحاول مهرجانات أخرى فهي تفشل، لأن القائمين على السوق لا يسمحون باكتساح أحد غيرهم للسوق. ثم نصل للكارثة العظمى، وهي أن تنظم مهرجانات متخلفة بأهداف مشبوهة، ومسيرين من المدعين، يتقاضى عليها كثيرون أجرا مقابل خدمات دنيئة. هل صناديق الدعم العربية بريئة، و هل المهرجانات الدخيلة من قبيل الجونة وغير الجونة مثلا، وهي التي تجتر ما تقدمه أو تلفظه المهرجانات الكبرى، غير مسيسة وترغب في نشر ثقافة سينمائية فقط؟ بالنسبة لي شخصيا، وبعد ثمان عشرة سنة من متابعة عن قرب، لدي اقتناع كامل بأنه لا يوجد مهرجان واحد في العالم من المهرجانات المتوسطة والكبيرة، يشتغل دون أن يمرر منظموه فكرة أو افكارا معينة بعيدة عن السينما. الفرق الوحيد، أن هناك مواعيد تتقن اشتغالها على السينما مع تمرير أفكار أصحابها، وهناك مهرجانات غبية لا علاقة لها بالسينما، وتخدم فقط أجندات من يقودونها.
ثم أعبر للفقرة الأهم في ركن اليوم، وفيها سأفضي للمتتبع بأني سبق ورفضت هنا في كان عضوية لجان موازية، ولم أحضر حفلة واحدة، ولم أستفد من ربع إقامة من تمويلهم. بالتالي، لتذهب كل المهرجانات للجحيم، لكني مجبر على التأكيد بأن ما يحفزني على القدوم إلى مهرجان كان هو متابعة جديد السينما العالمية. هؤلاء الناس يحتكرون بذكاء كل الأعمال الجميلة جدا، وحتى تلك الأقل جمالا، وأحيانا تلك القبيحة التي تحمل رسائل غريبة. أحضر إلى هنا لكي أشاهد تلك التحف السينمائية التي لا دخل لصناعها في السياسة، أما المنظمون هنا أو في باقي المهرجانات الكبرى فقد أقحموا ويقحمون وسيقحمون السياسة على الدوام. صنعت اسمي، ونلت ما نلته من تجربة. بإمكانهم وبإمكان بقية المهرجانات الكبرى، أو حتى تلك المتخلفة المشبوهة، أن يترجموا هذا الركن ويستمتعوا بسطوره. هل الأمر واضح، أم علي أن أرفع الإيقاع أكثر؟ في العامين الماضيين، قررت بمحض إرادتي أن أخفض الإيقاع، لكن مؤخرا قررت أن أعود لعادتي القديمة. أنا في الخدمة أيها السادة..