تغطية مباشرة

جوهر الحل السياسي

الرأي
الإثنين ٢٥ يناير ٢٠٢١
12:02
استمع المقال
جوهر الحل السياسي
ادريس قصوري، أستاذ جامعي ومحلل سياسي
استمع المقال

لقد خلصت مخرجات الجولة الخامسة من الحوار الليبي-الليبي الخالص المنعقدة يومي الجمعة والسبت 22 و23 يناير 2021 بمدينة بوزنيقة بالمغرب، إلى تكليف لجن مصغرة بالبث في استكمال المعايير والآليات الخاصة بمن سيتحملون مسؤوليات المؤسسات السيادية والمتمثلة في : محافظ مصرف ليبيا المركزي ورئيس ديوان المحاسبة ورئيس جهاز المراقبة الإدارية ورئيس هيئة المنافسة والفساد ورئيس المفوضية العليا للانتخابات ورئيس المحكمة العليا والنائب العام.

وبهذا التفاهم تكون الأطراف الليبية قد عبرت عن إرادة سياسية جوهرية لترسيخ المقاييس المؤسساتية. ويعد رد الاعتبار للمقاييس المؤسساتية في حد ذاته درسا بليغا في استكمال مسار تثبيت مسار المصالحة الوطنية وتعبيد طريق البناء الصحيح للوحدة الوطنية على أسس صلبة و متينة تتجاوز التحديات وتضمن الاستدامة والفعالية للمؤسسات وتقويض الإرث اللامؤسسي الهش للمرحلة السابقة.

وتزداد أهمية هذا التوافق وقوته و صلابته في بنائه على اتفاق ومخارج الصخيرات. مما يؤكد إرادة ترسيخ إجماع وطني جديد حول خارطة طريق واضحة و مقبولة لإرساء عقد سياسي فعال يؤمن مشاركة جميع الليبيين وتفعيل حوار استراتيجي جاد ومسؤول يؤدي دوره الحاسم في تحقيق التغيير نحو عملية انتقال ديمقراطي ناجح هذه المرة.

وبذلك، فإن الحرص على تثبيت مفاعيل  وديناميات المأسسة يؤكد دخول الحوار الليبي مناطق عميقة وتبني دور السياسة كخيار استراتيجي لإعادة البناء وتحقيق التراكم الإيجابي والبناء.

ولعل الاتفاق على  إسناد مهمة المعايير والآليات المؤسساتية للجن مصغرة يظهر مدى النضج الحاصل لدى الأطراف الليبية كلها في  استيعاب التحديات و الاختلافات و الانقسامات بما يؤسس من جديد لعمل سياسي انتقالي منهجي ناجح. فالليبيون  أظهروا بتفاهمات بوزنيقة  أنهم يشعرون بمسؤولياتهم  وتملكهم لعمليات المأسسة بصرف النظر عن انتماءاتهم الجغرافية والإثنية او القبلية او السياسية وولائهم الأمني او العسكري حيث جسدوا بأن الإنتماء الوحيد اليوم وغدا هو للوطن الموحد وللمصلحة العامة. وقد عبروا بالملموس بأن  لهم مصلحة حقيقية في المأسسة وفي إنجاحها  في إطار استيعاب ديناميات جديدة وبديلة وفعالة لحل الصراع والخروج منه.

بيد أن هذا التفاهم من شأنه تسريع التغلب على الفراغ المؤسسي وتقوية عامل الوحدة على عامل التفرقة والتشتت . فالتوصل الى أطر مؤسساتية تحوز الإجماع و تحظى بالتوافق ضرورة لمواجهة التحديات المركبة والمعقدة و من شأنه توفير قيادات مؤمنة بالتوافق والعمل الجماعي والمصلحة العامة للجميع وتتبناها كخيار استراتيجي لا محيد عنه وتلتزم به كتعهد وطني نبيل في إطار النظام الوحدوي.

ولعل هذه الروح التوافقية الجديدة ستكون ذات أثر عميق وحاسم في بناء التناغم والانسجام في أفق الوحدة الوطنية المنشودة. ذلك ،أنها ستيسر  وتسرع  خلق مناخ وبيئة سياسية جديدين سيشجعان على تجاوز كل أشكال ودواعي الانقسام والتفرفة التي مردها للخوف أو التوجس أو التعالي او الانتقام أو التبخيس  الجغرافي أو الوظيفي.

إن ترتيبات المأسسة كخيار ومدخل لمسار إعادة البناء بقدر ما تمنح الأطراف الثقة المبنية على التسامح الحقيقي الوحدوي بقدر ما تخول المؤسسات شرعيتها من الباب الواسع والذي سيمهد الطريق الصحيح والسديد نحو البناء الديمقراطي القوي والمحصن. فالاتفاق على المعايير وتفويض ذلك للجن مصغرة، المؤطر بنوايا حسنة يعد بداية ومقدمة ذهبيتين لتثبيت قواعد وأسس نظام سياسي ناجح والتعامل مع المستقبل بواقعية تبعد المقاربات الإقصائية التي لم تولد سوى المآسي. بيد،إن الإسترشاد بالممارسات الجيدة وأفضلها يعد أهم ضمان لتجاوز التحديات المنهجية للأخطار التي لم تأخذ في الاعتبار في الفترة السابقة كما أنها تعتبر بداية نهاية  المخاض المضطرب لتجربة الولادة السابقة.

وعلى العكس من ذلك، إنه يمكن من التوصل الى بناء رؤية مشتركة هادئة لمؤسسات تمثل الجميع والى ترتيبات سياسية واقعية توفر الشروط الضرورية والجوهرية لبيئة مناسبة و واضحة وتوافقية قصد بناء نظام ودولة ومجتمع بمشاركة مدنية  وحضارية من الجميع ومن اجل المستقبل.

لقد نجحت مخرجات  جلسة حوار بوزنيقة  ليومي22و23 لتقريب الرؤية بين مكونات الطبقة السياسية الليبية التي يظهر انها بدأت في الدخول بسلاسة في علاقات اعتمادية وتبادلية ومشتركة .وهي خطوة ومرحلة بديهية للسلم والسلام الاجتماعي والديمقراطي ومفتاح لصيانة الوحدة الوطنية بل انها مدخل أساسي لتجاوز مختلف الأبعاد السلبية للتقسيم. فالمداخل المتينة توفر أسسا صلبة لصناعة  التغيير الرشيد وصياغة محتواه  وتحقيق الأهداف الوطنية التي تتجاوز استقطابات الحرب والتدمير وتصفية الحسابات السياسية والإديولوجية او المصلحية الضيقة او الظرفية والآنية.

 في ظل نجاح تراكم زخم الدعم المغربي للشعب الليبي الشقيق للخروج من محنته وقصد تحقيق مصالحة نموذجية راسخة من جلسات الصخيرات الى جلسات بوزنيقة والتي عرفت تنويها بها كمجهودات مغربية مشهود بها من طرف عدة دول ومؤسسات ومن طرف الأمم المتحدة، يمكن القول بأن المغرب، ومن خلال الرؤية الملكية للملك محمد السادس، يتوفر على نظرة ومنهجية واقعيتين مبنيتين على قيم  صحيحة وسليمة وأخلاقية تجاه الشقيقة ليبيا. فالمغرب يختزن رؤى عميقة وناضجة و واقعية للواقع الليبي أكثر من غيره من المقاربات الانفعالية والبراغماتية. لقد أظهر المغرب من خلال تجربة الحوار الليبي انه يتوفر على نظام قيمي منسجم ومتسق ،مترابط وفعال ومحترم. وانه نظام قيمي عملي وصادق مبني على معتقدات تمكينية تحقق الأهداف. قيم جذابة وتدعو للفخر لانها منفتحة ترتبط بالشعوب في مشاكلها ومحنها ومصالحها، قيم تصر على الإنجاز.

لقد  أثبت المغرب أنه متعاون ومتضامن ومتمكن من قيم السلم والتعايش والعيش المشترك المبني على الشرعية والمشروعية واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها مع الحرص على أمنها وسلمها وسلامتها مع بذل كل جهود الوساطة بمسؤولية وحياد وتوازن كما عبر عن ذلك وزير الخارجية المغربي السيد ناصر بوريطة غير ما مرة أمام  الوفود الليبية بمرجعية ملكية واضحة. الشيء الذي أثبت بأن المغرب يمتلك إطارا نظريا لسياسة خارجية فاعلة وناضجة تتسم بالحركة والجاذبية.