تغطية مباشرة

في غيابهم حضور...

الرأي
الإثنين ٢٥ يناير ٢٠٢١
12:24
استمع المقال
في غيابهم حضور...
بلال مرميد ، رئيس القسم الثقافي ميدي1 وميدي1تيفي
استمع المقال
صرت أكثر من أي وقت مضى أؤمن بأن الموت هو لقاء النهاية، و بأن النوم هو مجرد حصة تدريبية. اليوم أعيش، و غدا حين سأغادر لا أحد سينقذني.
أفضل إنجاز تحقق في العام الذي ودعناه، هو أنه غادر غير مأسوف عليه. أن تترك لنا الفرصة لنعيش، و نستدرك بعضا من هفوات ارتكبناها و أعدنا ارتكابها مرات و مرات.. 
انضم الرجل الاستثنائي وحيد حامد لقائمة المغادرين في ثاني أيام العام الجديد، هو الذي لقن الحاضرين في مهرجان "كان" درسا في كيفية الاشتغال على السيناريو في ماي من العام ألفين و ستة. بعد عرض شريط عمارة يعقوبيان من إخراج نجله مروان حامد، قدم حامد الأب مداخلة بينت لأهل الغرب بأن للمشرق أسماء تبدع في المجال، و لا تحتاج لتأشيرة من أحد.
رحل الرجل الذي حارب التطرف بأعماله لمدة تزيد عن نصف قرن، و قبله غادرنا في العام المنقضي المايسترو نور الدين الصايل و حاتم علي و محمود ياسين و المنتصر بالله و رجاء الجداوي و عبد العظيم الشناوي و عبد الجبار الوزير و شامة الزاز...
غادرنا شون كونري و نادية لطفي و كيني روجرز و عايدة كامل و باربرا ويندسور و ديفيد براوس و عبد الرحمان القاسم و جان صليبا و مارسيل بوطبول و عبد القادر اعبابو و عبد الصمد دينية...
غادرنا مارادونا و كوبي براينت و حسن حسني و شويكار و  أنور الجندي و محمود مسعود و كلود براسور و كلود جيغو و غاي بودوس و ميشيل پيكولي و كريستوف و آلان پاركر و شادويك بوسمان و محمد لكريمي و محمد بشار...
غادرنا الكبير عبد الرحمان اليوسفي و العميد المحجوبي أحرضان و ثريا جبران و محمد الوفا و محمد المليحي و جيزيل الحليمي و سعد الله عزيز و محمود الإدريسي و حمادي التونسي و صلاح الدين الغماري و إدريس أوهاب و حكيم عنكر و محمد أديب السلاوي و جيرار هويي و پاولو روسي و پاپ ديوف و پاپا بوبا ديوپ و سيرياك باصوكا.. 
غادرنا إينيو موريكوني و كيرك دوغلاس و إيدير و عرفان خان و جيري ماغوير و كيلي پريستون و نايا ريڤيرا و جيمس ريدفورد و إيدي ڤان هالين و ميشو و روبرت كونراد و زهيرة سالم...
غادرنا سيدي أحمد سهوم و أستاذنا حسن المنيعي و أحمد بادوج و محمد أبرهون و جولييت غريكو و توني مارشال و مانو ديبانغو و بيل ويدرز و موري كانتي و ميشيل لونسدال و آن سيلڤيستر  و آلان ري و جون لوكارييه و جاك دوسونج و ميريلا فريني و پيير كاردان و محمد أبعمران و محمد طلال و خالد البكوري.. 
غادرنا ابننا عدنان و غادرتنا ابنتنا نعيمة و غادرنا جورج فلويد و غادرنا آلان پاتي، و غادرنا أطباء و غادرنا رجال أمن و غادرنا أساتذة و غادرنا عمال بسطاء أسدوا خدماتهم الجليلة للخلق في عز مرحلة الأزمة.. 
أفضل إنجاز تحقق في العام الذي ودعناه، هو أنه غادر غير مأسوف عليه. رحل أناس قدموا الكثير، و ولد آخرون سيقدمون الكثير..  مرحبا بهم في هذا العالم السعيد و البئيس، و البسيط و المعقد، و الثري و المعوز، و القوي و المنهك، و الواضح و الغامض.. مرحبا بهم في مسرح الحياة، و كل عام و نحن نكتشف و نصاب باليأس، لنأمل من جديد...
صرت أكثر من أي وقت مضى أؤمن بأن الموت هو لقاء النهاية، و بأن النوم مجرد حصة تدريبية. يذكروننا بأننا نصرخ في يوم ولادتنا، و في غفلة منا نغادر يوما ما و نترك الآخرين يصرخون رحيلنا. في أول و آخر المطاف، هي مجرد رحلة، و الرحلة من الأفضل أن نقضيها في الدرجة الأولى لمن استوعب الدرس. أكتب هذا الركن و أفكر في اللحظة التي أعيشها، و يبدو بأن أغلبنا لم يستوعب هذا الدرس. أحاول أن لا أفكر في الغد، لأني مقتنع بأن الغد بعيد. أحاول أن أفضي بما أفكر فيه دون عبور من جمارك الأفكار، لأني مؤمن بأن القبور و الحانات مليئة بأناس قالوا و يقولون كان بإمكاننا أن نفعل و لم يفعلوا شيئا. محظوظون أولئك الذين فاتهم وقت السفر في العام 2020، و محظوظون أولئك الذين يتقنون الكتابة بحب عن الحياة. شخصيا، فاتني أن أمتلك أسلوبا آخر...