حرب اللقاحات..سباق بسرعات متفاوتة

أخبار
الإثنين ١٥ فبراير ٢٠٢١
13:42
استمع المقال
حرب اللقاحات..سباق بسرعات متفاوتة
صفاء النوينو
استمع المقال

سباق ضد الزمن تخوضه كبريات شركات الأدوية واللقاحات، لإخراج العالم من أزمة صحية حقيقية يعيشها منذ أزيد من سنة، قضت على حياة الآلاف وفرضت أحكامها على الجميع. أسماء مختلفة لمختبرات ولقاحات. شركات تبدأ في تطوير لقاحات واتفاقيات بين الحكومات والمختبرات للحصول على الجرعات التي تحتاجها. تراخيص تمنح وأخرى تسحب. مشاكل تطفو على السطح وملامح خرائط جديدة ترسم. ونتائج السباق ما زالت لم تحسم.
 

أياما قليلة بعد ظهور أولى حالات الإصابة بفيروس كورونا فى مدينة ووهان الصينية نهاية 2019، وما تلى ذلك من انتشار واسع للفيروس في كل أنحاء العالم، سارعت الشركات العالمية للأدوية واللقاحات للانخراط فى سباق من أجل التوصل إلى لقاح فعال وآمن ينقذ العالم من أزمة صحية كبرى ومستقبل مجهول يتهدده في حال استمرار انتشار الفيروس لمدة أطول. وبعد أقل من سنة، انطلقت حملات التلقيح.
وفي الوقت الذي استبشر فيه العالم ببداية التلقيح، وما حمله من أمل بنهاية كابوس مظلم، خرج تيدروس أدهانوم جيبريسوس، مدير عام منظمة الصحة العالمية بتصريحات تعاكس التيار العام المتفائل بشأن انطلاق عمليات التلقيح. جيبريسيوس دق ناقوس الخطر بشأن  ما أسماه النزعة القومية في توزيع لقاحات الوقاية من كوفيد-19، معتبرا أن

ضعف التعاون بين الدول يمثل حاجزا رئيسيا أمام تحقيق الانتشار اللازم للتطعيم على مستوى العالم لإنهاء الجائحة.

مدير الهيئة الصحية العالمية حذر كذلك من ظهور طفرات فيروسية جديدة مع استمرار انتشار كوفيد -19 وسط السكان غير المحميين.

 


جغرافيا اللقاحات


تحصي منظمة الصحة العالمية حاليا 60 لقاحا مضادا لفيروس كورونا "سارس كوفيد-19" حصل على الترخيص أو وصل مرحلة التجارب الكلينيكية (حسب المعطيات الصادرة في 5 يناير 2021)، و172 لقاحا قابلا للدراسة والتجربة. رغم هذا العدد الكبير من اللقاحات المنتجة، فإن أسماء قليلة يتم تداولها في "بورصة اللقاحات" الدولية، وهي التي حصلت على ترخيص الهيآت الصحية في الدول الكبرى. وإذا ما أنجزت خريطة لأهم أقطاب البحث العلمي بشأن لقاح فيروس كورونا، نجد أنها تتركز أساسا في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا والصين، في تجارب أحادية في أغلب الأحيان وغياب للمشاريع البحثية ذات البعد العالمي.
تحصل هذه الأقطاب على امتيازات تخول لها التوصل بالجرعات اللازمة من اللقاحات في المرحلة الأولى من اعتمادها، فيما يتم توزيع الحصص المتبقية على الدول حسب الاتفاقيات التي تبرمها الحكومات مع المختبرات.

تحصي منظمة الصحة العالمية حاليا 60 لقاحا مضادا لفيروس كورونا "سارس كوفيد-19" حصل على الترخيص أو وصل مرحلة التجارب الكلينيكية


فايزر بايونتك، أشهر اللقاحات التي يتم تداولها إعلاميا، من تصنيع شركتي فايزر الأمريكية وبايونتيك الألمانية، يعتمد تقنية الحامض النووي الريبي، ويخزن في درجة حرارة -70 درجة مائوية، وهو ما يشكل أهم نقاطه السلبية باعتبار استلزامه ظروف تخزين صارمة ودقيقة للحفاظ على فعاليته.
فايزر بايونتيك هو أول لقاح يحصل على ترخيص استثنائي في بريطانيا، والأول من نوعه في العالم، أي المعتمد على تقنية الحامض النووي الريبي، المرخص له ليستعمل على الإنسان. حصل لاحقا على ترخيص الهيآت الصحية في عدد من الدول: الأرجنتين، أستراليا، البحرين، كندا، الشيلي، كوستا ريكا، الإكوادور، هونغ كونغ، العراق، إسرائيل، الأردن، الكويت، المكسيك، سلطنة عمان، بنما، الفلبين، قطر، المملكة العربية السعودية، سنغافورة، الإمارات العربية المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية...
 
 
موديرنا، يوصف عادة باللقاح "الثاني" للولايات المتحدة الأمريكية، يعتمد أيضا على تقنية الحامض النووي الريبي، يخزن في درجة حرارة -20 درجة مائوية. حصل أولا على ترخيص استثنائي من هيئة الغذاء والدواء الأمريكية، ثم حصل على ترخيصي الهيآت الصحية بكندا وإسرائيل، وتوصية مشروطة للاستعمال من طرف هيئة الدواء الأوروبية.
 
 
الصين، مهد الفيروس، دخلت أيضا المنافسة في مضمار صناعة اللقاح المضاد لكوفيد 19 بلقاحها المصنع من طرف شركة سينوفارم. يعتمد تقنية الفيروس المعطل، ويخزن في درجة حرارة بين 2 و8 درجات مائوية.

الأرجنتين، البحرين، مصر، باكستان، بيرو، الإمارات العربية المتحدة شاركت في مرحلة التجارب الإكلينيكية الثالثة. الصين والبحرين والإمارات العربية المتحدة أصدرت تراخيص استعجالية للقاح وعدد من الدول الأخرى حصلت على الجرعات الخاصة بها أو تقدمت بطلب للحصول عليها: البحرين، كمبوديا، الصين، أندونيسيا، العراق، الأردن، لاوس، باكستان سريلانكا، الإمارات العربية المتحدة، مصر، المغرب، السيشل، بيرو، هنغاريا، منتينيغرو، مقدونيا الشمالية، وصربيا...
 
 
سبوتنيك-V أو المعروف اختصارا باللقاح الروسي. يعتمد تقنية الناقلات الفيروسية، ويخزن في درجة حرارة بين 2 و8 درجات مائوية. السلطات الروسية كانت الأولى حول العالم التي رخصت لاستعمال اللقاح مبكرا رغم أنه لم يتجاوز المرحلة الثانية من التجارب الكلينيكية، ما جر عليها انتقادات علمية دولية. دول عدة رخصت استثنائيا أيضا للقاح لاحقا، منها بيلاروسيا والأرجنتين، وهنغاريا والإمارات والجزائر وصريبا وبوليفيا وفلسطين...


أسترازينيكا، اللقاح البريطاني السويدي المصنع بشراكة بين أسترازيكيا وجامعة أوكسفورد. يعتمد تقنية الحمض النووي الريبوزي المرسال ويخزن في درجة حرارة بين 2 و8 درجات مائوية.
حصل على ترخيص الهيآت الصحية في حوالي 40 بلدا تتوزع على أربع قارات، منها دول أوروبية وبريطانيا والهند والمغرب ودول في أمريكا اللاتينية.
 كان أسترازينكا  بطل معركة دبلوماسية وتراشقات بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا في ما وصف بأنه من مخلفات "البريكسيت"، أو الانشقاق البريطاني عن الاتحاد الأوروبي. هذه المعركة جسدت ما يسمى بحرب اللقاحات، والتي كثر الحديث عنها في وسائل الإعلام التي تشير إلى ما يشبه الحرب الخفية بين الدول بشأن الحصول على الجرعات الكافية من اللقاحات. 

 


 
أسترازينيكا...شرارة "البريكسيت" الخامدة؟

 

يبدو أن الشد والجذب بين الاتحاد الأوروبي مقدر له أن يستمر. بمجرد أن تمكن الطرفان من التوصل إلى اتفاق بشأن تفاصيل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بعد معركة دبلوماسية طويلة النفس، حتى طفت إلى السطح خلافات أخرى بين الطرفين، تتعلق هذه المرة بتأمين حاجيات سكانهما من اللقاحات.

يعود أصل المشكل إلى إعلان الشركة أنها لن تتمكن من تسليم إلا "ربع" الجرعات التي اتفق عليها مسبقا بسبب "تراجع الإنتاجية" في إحدى مواقع التصنيع الأوروبية، وهو ما لم يقنع المسؤولين الأوروبيين الذين يعتبرون أن بريطانيا تحظى بمعاملة تفضيلية من شركات اللقاحات، ويرفضون منطق "من يصل أولا تتم خدمته أولا" الذي ساقته أسترازينيكا مبررا لتقديمها اللقاح أولا لبريطانيا باعتبارها وقعت عقد الشراء قبل الأوروبيين. مسؤولة الصحة بالاتحاد الأوروبي ستيلا كيرياكيدس رفضت ما أسمته "منطق البقالة" في التعامل مع توزيع اللقاحات.
بعد أخذ ورد طويلين، رخص الاتحاد الأوروبي للقاح أسترازينيكا، واعتمدت وكالة الأدوية الأوروبية اللقاح لمن تتخطى أعمارهم 18 سنة. ورغم إعلان الشركة أنها ستزيد من حصة الاتحاد من اللقاحات، إلا أن بروكسيل خفضت مستوى اعتمادها على أسترازينيكا في المرحلة الأولى من حملة التلقيح.

هي حرب لقاحات ترسم ملامحها بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، أو ديبلوماسية لقاحات كما يفضل أن يسميها الأكثر "دبلوماسية". يحضر فيها الجانب السياسي بقوة وتلقي خلالها مخلفات "البريكسيت" بثقلها، وهذا ما تظهره :تصريحات وزير الصحة البريطاني مات هانكوك التي يفخر فيها بالتذكير بأن

بريطانيا لقحت ضعف ما لقحته الدول الأوروبية مجتمعة!

 

100 مليون جرعة...وأكثر!

 

 بعد شهرين من إطلاق أولى حملات التلقيح الجماعية  بداية دجنبر 2020، تم تجاوز عتبة 100 مليون جرعة يوم 2 فبراير 2021، بينما بلغ عدد الدول التي انطلقت في عملية التلقيح 77 دولة أو منطقة. 

تصدرت اسرائيل خلال الأسابيع الأولى من 2021 سباق التلقيح في العالم، حيث تلقى أكثر من ثلث السكان جرعة واحدة على الأقل، حسب المعطيات الخاصة ب2 فبراير 2021، وحصل خُمس الإسرائيليين على الجرعة الثانية، مستكملين بذلك عملية التطعيم.

تتركز 65 في المائة من الجرعات المعطاة في جميع أنحاء العالم في البلدان ذات الدخل المرتفع. تتقدمها المملكة المتحدة تليها الولايات المتحدة ودولة الإمارات و صربيا...والمعطيات الخاصة بترتيب الدول في تغير مستمر مع توصل البلدان بالجرعات المطلوبة وانطلاق عمليات التلقيح.
وتتذيل إفريقيا القارات الخمس في ما يتعلق بنسب التلقيح، ذلك أن دولا قليلة بدأت فعليا عملية التلقيح، فيما تعلن دول أخرى، بين الفينة والأخرى، توصلها ببضع آلاف من جرعات اللقاح.
ويشكل المغرب الاستثناء في القارة، ببلوغه أزيد من مليون و100 ألف شخص تلقى التلقيح (إلى حدود 15 فبراير)، ليتصدر بالتالي الدول الإفريقية في ما يتعلق بنسب التلقيح، ويحتل المرتبة الثانية في المنطقة العربية بعد الإمارات العربية المتحدة التي يناهز عدد الأشخاص الذين تلقوا التلقيح بها 5 ملايين شخص.

 


الدول الفقيرة في انتظار "كوفاكس"


تقيم نسبة كبيرة من سكان العالم في بلدان لم تبدأ بعد حملة التلقيح، وهي دول تقف في مكان المتفرج، حسب ما ذكره مدير عام منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس. تنتظر هذه البلدان حملة تطعيم واسعة النطاق واستلام أول دفعة هذا الشهر من اللقاح ضمن آلية "كوفاكس"، التي وضعتها منظمة الصحة العالمية وتحالف اللقاحات غافي في شهر يونيو الماضي، بهدف زيادة وصول الدول الفقيرة إلى اللقاحات، وتوفير ملياري جرعة من اللقاح مع نهاية 2021.

ونشرت آلية "كوكافس" قائمة البلدان الأولى التي ستتلقى اللقاحات والكمية التي ستحصل عليها في النصف الأول من العام 2021، إذ سيتم توزيع ما يقارب 337,2 مليون جرعة ، ستمكن من تلقيح 3,3 في المائة من سكان الدول الـ145، مع التركيز على المواطنين الأكثر عرضة للمرض ولا سيما أعضاء الفرق الطبية.

وبحسب هذه اللائحة، فإن الدول التي ستتلقى أكبر عدد من الجرعات خلال النصف الأول من العام هي الهند (97,2 مليون جرعة) ثم باكستان (17,2 مليون جرعة) فنيجيريا (16 مليونا) وإندونيسيا (13,7 مليونا) وبنغلادش (12,8 مليونا) والبرازيل (10,7 ملايين).

 

تعيش البشرية لحظة تاريخية صعبة، يتشابك فيها الأخلاقي بالسياسي والاقتصادي، ما يجعل عوامل مثل جنسيتك، مكان إقامتك، سنك... تحدد فرصتك للنجاة، سواء من الآثار السلبية للأزمة الصحية التي خلفتها جائحة كوفيد-19، أوحتى في إمكانية الحصول على لقاح أو الرعاية الصحية اللازمة. وإذا كانت منظمة الصحة العالمية تحذر من وقوف العالم على "شفير إخفاق أخلاقي كارثي"، فإن آثار هذا الإخفاق في حال حصوله ستطال حتى الدول الأكثر غنى، طالما استمر الوباء في الانتشار والتطور، وما يعني ذلك من إمكانية ظهور سلالات جديدة قد لا تنفع معها اللقاحات الموجودة.