على هامش مأساة الطفل ريان.. أية صحافة تليق بمغرب اليوم؟

أخبار
السبت ٠٥ فبراير ٢٠٢٢
00:05
استمع المقال
صفاء الهراز
استمع المقال

غادر "ريان" الحياة ومعه قلوب جميع المغاربة، وقلوب العالم بأكمله، مخلفا وراءه تساؤلات عديدة ومؤرقة حول التعامل المهني لوسائل الإعلام مع قضيته، ومع قضايا مشابهة في مأساويتها ونهايتها.

فاجعة "ريان" لم تبدأ مع لفظ الصغير أنفاسه الأخيرة، بل قبل ذلك بكثير، فكان الجناة، من المحسوبين على حراس بلاط صاحبة الجلالة، من يفترض بهم أن يكونوا ناقلي الحقيقة، ولا شيء غير الحقيقة، من تسمو الإنسانية أمام أقلامهم وحواسيبهم، من لا يبحثون عن نقرات زائلة، بنقل صور طفل لا حول له ولا قوة، صور لحظات ضعف داخل قبر ضيق، لحظات انكسار لوالدين يناجيان ربهما، ويتمسكان بكل معلومة تصلهما عن فلذة كبدهما، ليحدث عكس المتوقع، ويجدا نفسيهما أمام سيل جارف من الإشاعات والصور القاسية والمعلومات الزائفة، قادمة من مواقع صفراء، قتلت الطفل قبل وفاته بأيام، وحاولت جاهدة عزل المغاربة عن الحقيقة، وبلوغ السبق الزائف، ونحن نعلم علم اليقين، أن في مثل هذه المآسي الإنسانية، لا يبقى هناك مجال للسبق الصحفي، بل تسمو الحقيقة فوق كل الحسابات، وتحتل وسائل الإعلام التي تحترم المتابع للمشهد، وتحترم آدميته وأخلاقيات مهنة الصحافة، المراتب العليا.

قناة ميدي 1تيفي رصدت الاختلال في التغطية الصحفية التي رافقت قصة الطفل ريان، فكان لزاما أن تطرح السؤال على المختصين، عن حجم التجاوزات المسجلة خلال هذا الحدث الذي هز كل المغاربة والعالم، وحضي بمتابعة إعلامية دولية غير مسبوقة.

وبنبرة حانقة، عبر يونس مجاهد، رئيس المجلس الوطني للصحافة لميدي1 تيفي عن امتعاضه الشديد مما أسماه بالمتاجرة بقضية لها حمولة إنسانية كبيرة، وشدت أنظار العالم بأكمله، وحظيت بمتابعة وحرص ملكيين طيلة الأيام الماضية، حين كان الطفل ريان حبيس الحفرة المشؤومة.

وشدد مجاهد على أن المجلس سيصدر تقريره طبقا لصلاحياته ولما يخوله له القانون، لرصد جميع الاختلالات التي رافقت تغطية مأساة الطفل ريان، والتي ضربت حقوق الطفل وأهله والشعب المغربي عرض الحائط.

وناشد مجاهد جميع الفاعلين للتحرك في سبيل قطع الطريق عن مدنسي مهنة الصحافة والمتاجرين بقضايا البلاد، وفرض صحافة قوية وذات كفاءة، لها بعد مقاولاتي وهياكل وتنظيمات ديمقراطية، تحترم أخلاقيات المهنة بالدرجة الأولى، وتتسلح بصحفيين مهنيين.

 وتوعد مجاهد متاجري الصحافة بالقول "نحن لن نسكت عن هذا الأمر"، مشيرا إلى الأخبار الزائفة والانتشار الواسع لصور الضحية والبحث عن النقرات بالمزايدة بمأساة أسرة وبلد بأكمله.

وأكد مجاهد أن المجلس سيعقد اجتماعات استثنائية حول هذه الاختلالات الي أقدمت عليها بعض وسائل الإعلام، مشددا على أن استعجالية هذا الأمر تأتي من المجتمع هذه المرة، الذي عبر للمجلس الوطني للصحافة عن سخطه وغضبه من هذا النوع من الصحافة.

وأشار مجاهد إلى أن المجلس لديه مشاريع للنهوض بقطاع الصحافة والإعلام، لكنها تحتاج انضمام جميع الفاعلين وتوحيد الرؤية، وقطع الطريق عم مقاولات صحفية لا تستحق أن تستمر في ممارسة مهنة الصحافة، وعلى من يريد أن يمتهنها الخضوع لتكوينات وتداريب معينة.

واستعرض مجاهد قائمة طويلة من التجاوزات التي مارستها بعض وسائل الإعلام، من بينها نشر الأخبار الكاذبة، سعيا لزيادة المشاهدات أو لغياب الكفاءة، فضلا عن التعاطي المنفر مع صور الطفل ريان، في ضرب صارخ لأخلاقيات وقواعد مهنة الصحافة، المنادية بضرورة احترام الضحايا وعدم نشر صورهم والمتاجرة بها، ناهيك عن أسلوب ومضامين التغطية الصحفية، والأسئلة الغير مهنية التي كانت تطرح على أهالي الضحية.

وخلص مجاهد إلى أن المجلس يعمل حاليا على مشروع التربية على الإعلام، والذي يراه كبوصلة لتوجيه المجتمع لكيفية التعامل مع الأخبار الزائفة والأكاذيب، التي قد تنشرها بعض وسائل الإعلام في الأوقات الحرجة، لاسيما في زمن التكنولوجيات الحديثة، والكم الهائل من الأخبار التي قد تضلل في أوقات كثيرة الرأي العام.