تغطية مباشرة

فوزي المبدع .. فوزي الصادق

الرأي
الإثنين ١٤ نونبر ٢٠٢٢
23:32
استمع المقال
بلال مرميد
استمع المقال

أُفضِّل ألف مرة فيلم فوزي بنسعيدي على بقية الأشرطة التي شاهدتها في أمكنة أخرى، ويعاد عرضها هنا في مهرجاننا مراكش الذي نسانده وندعمه. 

أُفضِّل ألف مرة الشريط الجديد لصاحب "ألف شهر"، لأنه قدم أيام صيفه في خريف مراكش، في عرض عالمي أول. روَّض مسرحية بستان الكرز لأنطون تشيخوف في السينما، وجعل من منى فتو راڤينسكايا، وكلاهما تغيبتا لخمس من سنوات، وبدت تمثيلية الفصول الأربعة للعمل المسرحي الذي قدم لأول مرة قبل مائة وثمان عشرة سنة، حاضرة سينمائيا، وهو امتحان توفق فيه المخرج. 

أُفضِّل ألف مرة أن أدخل قاعة من قاعات المهرجان، لمشاهدة عمل في عرض أول عندنا. الأمر يكون مهما، والمشاهدة لا تكون من أجل الاستئناس كما يحدث لي مع أفلام أخرى هنا في مراكش. هيبة العرض الأول تظهر، والأمر بدى جليا خلال تقديم الشريط للجمهور في مراكش. 

لذلك.. نعم، فيلم "Armagedon time" لجيمس غراي مقنع، ونقله لشذرات من مرحلة طفولته، يجعل المشاهد يستوعب تمرده على والديه ليختار طريق الفن. لوحات كاندينسكي، وصورة محمد علي كلاي، وإصراره على أن يرسم ملامح المحيطين به، ويرسم يده حين يحس بالوحدة. المشكل الوحيد، هو أن الشريط عرض في مهرجان كان، وعرض في أمكنة أخرى. 

نعم، فيلم "صبي من الجنة" للسويدي من أصل مصري طارق صالح فيه جرأة، وإن حضرت المبالغة وإرضاء عيون الغرب بشكل كبير، وفيه تمرد على السياسي وعلى الديني، لكن الفيلم قدم في مهرجان كان وحصل على جائزة السيناريو. قدم الفيلم أيضا في مهرجانات اخرى، وفي قاعات كثيرة عبر أرجاء المعمورة.. مع ذلك.. 

أُفضِّل ألف مرة فيلم "أيام الصيف" لابننا فوزي بنسعيدي لأنه يقدم عندنا في مهرجاننا شريطه في عرص عالمي أول. حان الآن وقت منح ذلك النبيه فرصته ليطرح السؤال: وما الفرق بين تقديم شريط في عرض عالمي أول أو غير أول؟ 

عزيزي النبيه، قوة المهرجانات الكبرى مرتبطة بعدد العروض العالمية الأولى، لأن العروض الأولى هي التي تجلب الصحافة العالمية المتخصصة المجبرة على اقتفاء أثر الأفلام الجديدة. العروض العالمية الأولى هي التي تفرض هيبتها على الموزعين الكبار، وتجعل المنتجين العظام يأتون ويتقربون منك. العروض العالمية الأولى، هي المعيار الأول لجعل أي مهرجان ينال شارة الدرجة الأولى. حين تقدم أفلاما عرضت في أمكنة أخرى، فأنت تمتع فقط ضيوفك من السينيفيليين. هي إذن مسألة اختيارات.. إما أن تبحث عن دخول نادي المهرجانات الكبرى، أو تكتفي بتنظيم حدث سينمائي عالمي دون الدخول في منافسة مع أي كان. بالتالي..

شخصيا، أُفضِّل ألف مرة شريط "أيام الصيف" لفوزي بنسعيدي، لأنه منح المهرجان الأول في البلد، أحقية تقديم العرض الأول لعمله. اقتبس من مسرحية تشيخوف، وتصرف بكل حرية في عمله السينمائي الذي وضعه في المزاد هنا في مهرجان مراكش. ممثلون أغلبهم يعرفون عوالم المخرج، وهو ما يسَّر استيعابهم لأيام الصيف التي تنتهي بالمغادرة تحت المطر. منى فتو ومحسن مالزي ونزهة رحيل وسعيد باي ومحمد الشوبي وحسنة مومني ونادية كوندا ثم فوزي بنسعيدي، أمام كاميرا فوزي بنسعيدي. 

أُفضِّل أيام الصيف أكثر من بقية الأفلام التي عرضت مرات كثيرة، وتم استقدامها للمهرجان. أفضل ذلك الصدق الذي يحمله العرض الأول، وأُفضِّل تلك السينما التي تتغزل بالمسرح. نحتاج عروضاً أولى، وأحتاج من يقرأ الركن بعقله وليس بقلبه. 

أيام الصيف، وهو إنتاج خاص، سأخصص له ركناً كاملا في وقت لاحق. في هذه اللحظة، أود فقط أن أقول شكراً فوزي بنسعيدي لأنك منحتنا رفقة فريق شريطك، تلك الفرصة لنعيش إحساس مشاهدة فيلم في عرضه العالمي الأول. ألم أقل في البدء بأنه المعيار الأول الذي يمنح لكل مهرجان دولي أهميته؟ ألم أقل منذ أعوام بأن معيار النجاح ليس هو كم الفنانين المحليين أو الأجانب الذين نستقبلهم، ونأويهم، ونطعمهم في المهرجان؟ فيلم "أيام الصيف"، منح مهرجان مراكش عرضاً عالميا أولا يحتاجه، ومنح الدليل مرة أخرى على أن من يبدع مرة أولى وثانية، بإمكانه أن يبدع مرة ثالثة ورابعة، أما من يقترف السينما في بداياته، فسيبقى على الدوام متشبثا باقترافها واستنزافها على الدوام. شكراً مرة أخرى فوزي بنسعيدي، و أعتقد بأني رسالتي واضحة، والسلام.