تغطية مباشرة

ركن الـ "سي بي إم" من "كان" : كوثر بن هنية تُشَهِّرُ بألفة وبناتها

ثقافة
الإثنين ٢٢ مايو ٢٠٢٣
14:42
استمع المقال
ركن بلال مرميد، رئيس القسم الثقافي بميدي1 وميدي1تيفي
استمع المقال
كتبوا في مقالاتهم بأن فيلم "بنات ألفة"، الشريط التونسي والعربي الوحيد في المسابقة على السعفة الذهبية، هو بمثابة مختبر علاجي، وقالوا أيضاً بأنه فيلم داخل فيلم، وركزوا أيضا على كمِّ التصفيقات التي تلت عرضه الأول في مهرجان كان. رباه، ما هذا الهراء؟ ألهذا الحد صرنا نتنافس على مكان في الأسفل؟ الغباء ينتشر بسرعة، والتريث لم يعد له أنصارٌ في زمننا الرديء هذا. نعبر للشرح..
 
قد تبهرهم التسميات والتصنيفات والألقاب، لكنها لم ولن تثيرني يوماً. شريط "بنات ألفة" للتونسية كوثر بن هنية، لا يستحق نهائياً أن يوضع في المسابقة الرسمية لأرقى مهرجان سينمائي عالمي.
 
لماذا وقع عليه الاختيار؟ من اختاره أصلا؟ لست مخولاً بالإجابة على السؤالين، لكني بالمقابل لا يمكن أن أستنزف ساعة وخمسين دقيقة في قاعة لأشاهد هذا العمل، دون أن أنقل قليلاً من تفاصيل استيائي من هذا الشريط الذي طبل له كثير ممن ألفوا التطبيل. أولئك الذين ينتظرون ما سيقوله نقاد الغرب ليترجموه، ويشرعوا في نشره.  
 
"بنات ألفة" أيها السادة، هو باختصار شريط يحكي ما عاشته السيدة ألفة الحمروني، وهي أم لأربع بنات. فقدت الكبيرتين رحمة وغفران، بسبب التطرف الذي جرهما نحو طريق المجهول في ليبيا.
 
لقد وقعتا بحسب تعبير الأم في قبضة الذئب، بالتالي اختارت المخرجة أن تتناول القضية بعد محاولات كثيرة لإقناع الأم بأن تخوض معها التجربة السينمائية، ووأدت بحسب كثيرين الحدود بين الوثائقي والروائي.
 
تحضر الشخصيات الحقيقية، الأم برفقة ابنتيها الأصغر سناً آية وتيسير، وتعوض الغائبتان بممثلتين، إضافة لهند صبري التي تلعب بين الفينة والأخرى دور الأم الحقيقية ألفة الحمروني التي تبقى حاضرة.
 
هند صبري هي مرآة ألفة الحمراوي تارة، والمُصلحة والمصححة لتناقضات وتصرفات وعادات بالية تارة أخرى. يحصل ذلك التعارف بين الأم وابنتيها مع الممثلات، وتحصل تلك الألفة مع ألفة، وهنا تنطلق هفوات كوثر بن هنية. 
 
عزيزتي المخرجة، هل كان من الضروري أن تنطلقي في محاكمتك لزوج الفة الحمروني، وتصويره وإظهاره بكل ذلك الضعف والوهن وانعدام الشهامة والمروءة؟ هل كان من الضروري أن تعيدي تصوير  ليلة زفافه بألفة الحمراوي بهذه الطريقة الفلكلورية البئيسة تحت ذريعة الوفاء للجانب الوثائقي؟
 
وهل كان من اللازم أن تلعب هند صبري بدورها دور المُوجهة، والحامية للمرأة، والمستغربة والمنددة بتصرفات رب أسرة، أم كان عليها أن تتكلف فقط بأداء دورها إلى جانب الشخصية الحقيقية ألفة الحمروني؟ هند صبري التي سبق لي أن تشرفت باستضافتها في ال"إف ب إم"، وأعرف قدراتها التشخيصية الكبيرة، يتأكد المشاهد بأنها دخلت التجربة من باب تقديم الدعم للمخرجة والأسرة أيضاً، مع ارتجال في غير محله يسجل حضوره في كثير من فترات الشريط.
 
دموع وقهقهات تمنحنا خلطة هجينة، ومحاولة يائسة للعب على وتر السياسي حين تذكر بأن بنات ألفة كن بنات بنعلي، قبل أن تأتي الثورة لتغير كل شيء.
 
تتحدث إحدى بناتها لتقول بأن الثورة ليست المسؤولة عن ما حدث لأختيها المتغيبتين، ثم تلك المشاهد التي تروق المشاهد الأجنبي، حين تصور كل التخلف الذي يشجع التخلف. بهذه الطريقة، تريد كوثر بن هنية أن تعالج جروح الأسرة؟ بهذه الطريقة الموغلة في السطحية والبساطة؟ بصدق هو بؤس سينمائي، وبصدق لن أن أتفاجأ إن منح الشريط جائزة لا يستحقها، لأن الكليشيهات تتوج أحياناً. 
 
بنات ألفة" أيها السادة، هو الشريط الطويل الخامس للتونسية كوثر بن هنية، وعلاقتها بمهرجان كان توطدت بعد عرضها لشريطها "على كف عفريت" (La belle et la meute) في فئة "نظرة ما" قبل ست سنوات، وحينها كنت من أشد المتعاطفين مع ضحيتها حين صرخ الشرطي في وجهها: "البلاد على كف عفريت، وأنت جاية تشكي؟".
 
هذا التعاطف كان بالنسبة لي مبرَّراً، لأن الإطار كان يسمح، واللغة السينمائية المستعملة كانت سليمة، وتنديد المخرجة  وعدم مهادنتها وشجبها لما تعرضت لها مريم في الشريط، جعلني أرحب بخروج مخرجة تونسية لتعبر عما يساورها من شعور ويخالجها من أحاسيس حينئذ.
 
في "بنات ألفة"، تعثر على تلك البكائيات التي يعشقها المشاهد الأجنبي، وتلك المحاكمات الغبية للرجل لتبرير كارثة بكارثة أكبر منها. هي محاولة فاشلة لإعطاء دروس لمن لا يعنيهم الأمر أصلا، ورغبة في اللعب على وتر العاطفة.
 
في الشريط السابق قدمت بن هنية شريط الرجل الذي باع ظهره، وهذه المرة عرت معاناة السيدة ألفة الحمروني التي لا أعرف حقا كيف سيكون تأثير عبورها من السجاد الأحمر وأجواء كان، وعودتها لواقعها المزري في تونس، على حياتها وحياة ابنتيها.
 
كيف سيكون رجع الصدى من محيطها الذي لا يشبه محيط المخرجة كوثر بن هنية ولا محيط هند صبري؟  قالوا بأن المخرجة سخرت الوثائقي في خدمة الروائي، وأنا أقول بأنها سخرت الوثائقي لخدمة مصلحتها كمخرجة، وإرضاء للصناديق التي ساهمت في تمويل الفيلم، وهو بالمناسبة إنتاج مشترك تونسي وفرنسي وألماني وسعودي.
 
ثم نصل للسؤال الأهم: إلى أي حد يمكن أن تذهب المخرجة مستقبلا في الترويج للكليشيهات، والتشهير ببني جلدتها عند الغرب لترضي المهرجانات الكبرى؟ هذا الشريط أضعف بكثير من أغلب أفلام المسابقة الرسمية الأخرى، ورغم ذلك كتب كثيرون بأن "بنات ألفة" مختبر علاجي.
 
طيب، أنا أقول بدوري بأن هذا الفيلم هو مختبر لصناعة أمراض نفسية جديدة لدى عائلة الضحيتين، ومثلما تتحمل المخرجة مسؤوليتها بخصوص فيلمها، فأنا اتحمل بدوري مسؤوليتي بخصوص هذا الركن، وبيننا الأيام، والسلام.